تغرب فيه الكواكب، ثوابتها وسياراتها، مع انتظام مداراتها، فهذا الذي يغير ويبدل، وينظم ويدبر تدبيرا مستمرا كل يوم هو الله، بل هو الذي يدبر الكون كله، لا أنتم، إن كان لكم عقل تدركون به ظواهر الكون، وهذا مناسب لقولهم واتهامهم بأنه مجنون. فإن كان هذا الذي يزعم أنه ربكم وإلهكم صادقا، فليعكس الأمر، وليجعل المشرق مغربا، والمغرب مشرقا.
وهذا الطريق في الاستدلال على وجود الله هو الذي سلكه إبراهيم الخليل عليه السلام مع نمروذ، فإنه استدل أولا بالإحياء والإماتة، وهو بعينه الذي أجاب به موسى هنا بقوله:{رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} فأجابه نمروذ بقوله:
{أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}[البقرة ٢٥٨/ ٢] فقال إبراهيم: {فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ، فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}[البقرة ٢٥٨/ ٢] وهو الذي ذكره موسى هنا بقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}.
ولما غلب موسى فرعون بحجته، اتجه كأهل السلطة في كل زمان ومكان إلى التهديد والوعيد باستخدام القوة والقهر والسلطان، فقال:
{قالَ: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} أي قال فرعون:
لئن ألّهت غيري، لجعلتك في عداد المسجونين الذين يزجّ بهم كما تعلم في قيعان السجون تحت الأرض، ويتركون حتى يموتوا، وكان سجنه أشد من القتل.
فقابل موسى التهديد والتخويف بالمعجزات الخارقة للعادة بعد أن لم تفلح الأدلة العقلية، فقال:
{قالَ: أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} أي قال موسى: أتفعل هذا وهو السجن، ولو أتيتك بحجة بيّنة، وبرهان قاطع واضح على صدق دعواي النبوة؟ وهي المعجزة الدالة على وجود الله تعالى.