للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض عقول الحكماء سبيل الحق ونطقت بالحكمة، فذلك محصور في فئة قليلة من الناس، ولا يستقيم القول أو يظهر صدق النظرية التي يقررها العالم إلا بعد أن تمرّ بتجارب طويلة، وحلقات متواصلة من البحث والدراسة والتأمل والفكر، فيتضرر الناس الذين ينتظرون نتائج مصداقية القول أو الحكمة إلى زمن قد يطول وقد يقصر، وربما تأثر الإنسان بالأهواء والشهوات، أو بالمنافع والمصالح الخاصة، فلا يكتب لرأيه القبول أو النجاح.

فكان من حكمة الله تعالى وفضله ورحمته إرسال الرسل والأنبياء ليقودوا الفطرة والعقل البشري إلى ما هو خير للدنيا والآخرة، قبل فوات الأوان، والوقوع في العثرات، وانتظار ما تسفر عنه التجارب والنظريات، ولإقرار الحق والعدل، دون التأثر برعاية مصلحة خاصة.

وقد صحح الله أخطاء الأفهام وبيّن وجه الخطأ في ظن الصواب، من بعد ما جاءهم العلم، وسطعت البينات (الدلائل على عصمة الكتاب من وصمة إثارة الخلاف) وهو ما استدركته الآية: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ.}. ومفاد الاستدراك:

أن غرائز البشر وحدها ليست كافية في توجيه أعمالهم إلى ما فيه صلاحهم، فلا بدّ لهم من هداية أخرى تعليمية تتفق مع القوة المميزة لنوعهم، وهي قوة الفكر والنظر، تلك الهداية التعليمية هي هداية الرسل منهم، والكتب التي ينزلها الله عليهم، مع الأدلة القائمة على عصمة الرسل من الكذب، وعصمة الكتب من الخطأ، فعلى الناس أن يستعملوا عقولهم في فهم الأدلة على الرسالة والعصمة أولا، وإذا فهموها استعدوا حتما للتصديق بدعوة الرسل. وإذا آمنوا بتلك الدعوة، وعقلوا ما جاءت به الرسل، وجب عليهم أن يلازموه ولا يعدلوا عنه (١).

وأرشدت آية {أَمْ حَسِبْتُمْ.}. إلى أن للإيمان حقوقا وواجبات تؤدي إلى


(١) تفسير المنار: ٢٢٨/ ١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>