٣، ٢ - {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ، فَماذا تَأْمُرُونَ}؟ أي يريد إخراجكم من وطنكم، ويتغلب عليكم بسحره، وبما يلقيه بينكم من العداوات، فيفرق جمعكم، ويكثر أعوانه وأنصاره، ويغلبكم على دولتكم، ويأخذ معه بني إسرائيل، فأشيروا علي فيه ماذا أصنع به؟ إني متبع لرأيكم ومنقاد لقولكم، وهذا أسلوب يستنفر حماسهم وجهودهم وتوحيد كلمتهم لمطاردته والتغلب عليه، فاتفقوا على جواب واحد وهو:
{قالُوا: أَرْجِهْ وَأَخاهُ، وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ، يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحّارٍ عَلِيمٍ} أي قال مستشاروه بعد أن تشاوروا فيما يفعلون: أخر أمره ومناظرته وأخاه ولا تتعجل في عقابهما لوقت اجتماع السحرة، بأن تجمعهم من أنحاء البلاد، فتبعث في أرجاء مملكتك جامعين يحشرون السحرة، ويأتونك بكل خبير في السحر ماهر فيه، فيقابلون موسى بنظير ما جاء به، فتغلبه أنت ويكون لك النصر والتأييد عليه.
وكان هذا من تسخير الله تعالى لموسى وأخيه، ليجتمع الناس في صعيد واحد، وتظهر آيات الله وحججه وبراهينه على الناس جهارا نهارا.
وقيل: معنى {أَرْجِهْ} احبسه، روي أن فرعون أراد قتله، ولم يكن يصل إليه، فقالوا له: لا تفعل، فإنك إن قتلته أدخلت على الناس في أمره شبهة، ولكن أرجئه وأخاه إلى أن تحشر السحرة ليقاوموه، فلا يثبت له عليك حجة، ثم أشاروا عليه بإنفاذ حاشرين يجمعون السحرة، ظنا منهم بأنهم إذا كثروا غلبوه، وكشفوا حاله.
ويلاحظ أنهم عارضوا قوله:{إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ} بقولهم: {بِكُلِّ سَحّارٍ عَلِيمٍ} فجاءوا بكلمة الإحاطة وبصيغة المبالغة، ليطيبوا قلبه، وليسكنوا بعض قلقه.