وينصر أهله على قلتهم، ويخذل المبطلين على كثرتهم، كما قال:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ، وَاللهُ مَعَ الصّابِرِينَ}[البقرة ٢٤٩/ ٢].
والله الذي فرض عليكم القتال يعلم أيضا أن هؤلاء الأعداء لا ينفع معهم إلا القتل والتشريد والإذلال، حتى لا يعودوا إلى الاعتداء على المسلمين أبدا.
وقد اختلف العلماء فيمن كتب عليهم القتال في هذه الآية:
فقال الأوزاعي وعطاء: نزلت في الصحابة، فهم الذين كتب عليهم الجهاد.
وقال الجمهور: إن القتال فرض على جميع المسلمين بحسب الحاجة أو الحال، فإن كان الإسلام غالبا فهو فرض على الكفاية، وإن كان العدو غالبا فهو فرض على الأعيان، حتى يتحقق النصر. وهذا هو الراجح،
قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح:«لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا».
وهذه الآية أول آية فرض فيها القتال، وذلك في السنة الثانية للهجرة، إذ كان القتال على المسلمين محظورا في مكة، ثم أذن الله لهم في مقاتلة المقاتلين من المشركين بعد الهجرة إلى المدينة، بقوله:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا}[الحج ٣٩/ ٢٢]، ثم أبيح القتال لكل المشركين، ثم فرض الجهاد.
وأحدثت قضية قتل الحضرمي على يد سرية عبد الله بن جحش اضطرابا وتساؤلا، حكاه القرآن، فقال تعالى: يسألك يا محمد أصحابك عن القتال في الشهر الحرام وهو رجب، هل هو حلال أو حرام؟.
فقل لهم: نعم، القتال فيه كبير الإثم والجرم وهو أمر مستنكر، لأن تحريم القتال في الشهر الحرام كان ثابتا يومئذ، ولكن صد قريش عن سبيل الله بما يفتنون المسلمين عن دينهم ويقتلونهم ويخرجونهم من ديارهم وأموالهم، والكفر