وإذا فسرت {تُبْصِرُونَ} بالعلم، ثم قال {تَجْهَلُونَ} فكيف يكونون علماء جهلاء؟ والجواب كما ذكر الزمخشري أنه أراد: تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة، مع علمكم بذلك، أو تجهلون العاقبة، أو أنه أراد بالجهل السفاهة والمجانة التي كانوا عليها، أي أنهم سفهاء ماجنون.
ولا نرى حملة تشنيع على منكر مثل هذه الحملة الشديدة، فقوله {الرِّجالَ} شذوذ يأباه الحيوان، وقوله:{مِنْ دُونِ النِّساءِ} انحراف عن الشيء الطبيعي والأفضل، وأنه خطأ بالغ وفعل قبيح، وقوله {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} وصف ثابت لازم لهم بأنهم يفعلون فعال الجهلاء السفهاء الذين لا يميزون ولا يعقلون الفرق بين الحسن والقبيح.
وإزاء هذه الحملة، وبالرغم من عنفها وقسوتها أجابوا عنها بما لا يصلح أن يكون جوابا مقبولا ولا معقولا في ميزان العقلاء، وهو ما سيأتي في مطلع الجزء التالي.