١ - إذا كان الإيمان بالله صحيحا منسجما مع الوحي الثابت الصحيح، سهل التقاء رافدي الإيمان، وتيسر الدمج بين الإيمانين، إن تجرد الإنسان عن العصبية والهوى، والمصلحة الذاتية، والنفع المادي. وهذا ما تحقق لجماعة من أهل الكتاب من بني إسرائيل، آمنوا بالله ربّا واحدا لا شريك له قبل القرآن بمقتضى كتابهم السماوي، ثم آمنوا بالقرآن، لمطابقته مع أصل ذلك الكتاب المتقدم، وهؤلاء كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي، ومن أسلم من علماء النصارى، وهم أربعون رجلا قدموا مع جعفر بن أبي طالب المدينة، اثنان وثلاثون رجلا من الحبشة، وثمانية نفر أقبلوا من الشام، وكانوا أئمة النصارى، منهم بحيرا الراهب وأبرهة والأشرف وعامر وأيمن وإدريس ونافع. وقيل: أكثر من ذلك.
٢ - هؤلاء المؤمنون بالقرآن من أهل الكتاب يضاعف لهم الثواب أو الأجر مرتين: مرة لإيمانهم بكتابهم، ومرة لإيمانهم بالقرآن بسبب صبرهم على الأذى الذي يلقونه من الكفار.
٣ - المؤمن الكامل الإيمان شأنه الاشتغال بمرضاة الله تعالى، فيبادر إلى الطاعات البدنية والمالية، ويتحلى بالخلق الفاضل، وقد وصف الله تعالى هؤلاء المؤمنين من أهل الكتاب بأنهم يقابلون السيئة بالحسنة، أي بالاحتمال والعفو والصفح والكلام الحسن، وهذا من مكارم الأخلاق، وينفقون من أموالهم في الطاعات والقربات، فيحسنون إلى البائسين والمعوزين، وفي ذلك حضّ على الصدقات، ويعرضون عن لغو الكلام، فلا يتكلمون بالكلام القبيح، وإنما ينطقون دائما بالكلام الطيب، فإذا سمعوا ما قال لهم المشركون من الأذى والشتم، أعرضوا عنه، أي لم يشتغلوا به،
قال صلّى الله عليه وسلم لمعاذ في حديث أبي ذر المتقدم والمروي أيضا عن معاذ:«وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» ومن الخلق الحسن: دفع المكروه والأذى، والصبر على الجفا، بالإعراض عنه ولين