الأقوام بسبب البطر وهو ألا يحفظ حق الله تعالى في الغنى، فأصبحت مساكنهم غير مسكونة بعد إهلاك أهلها إلا قليلا من السكنى أو سكونا قليلا، فلم يسكنها إلا المسافرون أو المارة بالطريق يوما أو بعض يوم، وكان الله هو الوارث لها بعد هلاك أهلها.
ومن المعلوم أنه إذا لم يبق للشيء مالك معين قيل: إنه ميراث الله؛ لأنه الباقي بعد فناء خلقه.
ثم أوضح الله تعالى سنته في الإهلاك: وهي أنه لم تكن عادة الله أو سنته أن يهلك القرى الكافرة، حتى يبعث في عاصمتها وأعظمها رسولا، كما أرسل إلى أهل مكة محمدا صلّى الله عليه وسلم، ثم لم يهلكهم إلا وقد استحقوا الإهلاك لظلمهم ولإصرارهم على الكفر بعد إعذارهم وإنذارهم. وهذا بيان لعدله وتقدسه عن الظلم.
والخلاصة: أن إهلاكهم لا يكون إلا بأمرين:
استحقاقهم الإهلاك بظلمهم، ولا يهلكهم مع كونهم ظالمين إلا بعد تأكيد الحجة، والإلزام ببعثة الرسل.
الثالث-إن قول أهل مكة: تركنا الدين لئلا تفوتنا الدنيا خطأ عظيم؛ لأن ما يتمتعون به مدة حياتهم زائل، وما عند الله خير وأبقى، أي أفضل وأدوم، أفلا تعقلون أن الباقي أفضل من الفاني؟! أما إنه خير: فلأن المنافع في الآخرة أعظم، ولأنها خالصة عن الشوائب، أما منافع الدنيا فمشوبة بالمضار، بل المضار فيها أكثر.
وأما إنها أبقى: فلأنها دائمة غير منقطعة، ومنافع الدنيا منقطعة، وإذا قوبل المتناهي بغير المتناهي كان عدما، ثم إن نصيب كل واحد من منافع الآخرة إذا قورن بمنافع الدنيا كلها يعدّ كالذرة بالقياس إلى البحر.