{ما} نافية على الصحيح كما نقل عن ابن عباس وغيره، ولأن المقام في بيان انفراده تعالى بالخلق والتقدير والاختيار، وأنه لا نظير له في ذلك، ولهذا نزّه تعالى نفسه في منازعة أحد في سلطانه، فقال:{سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ} أي تنزيها لله وتقديسا وتعاليا عن إشراك المشركين، وعن أن ينازعه أحد في اختياره وخلقه من الأصنام والأنداد التي لا تخلق ولا تختار شيئا.
والمقصود أن يعلم أن الخلق والاختيار والإعزاز والإذلال مفوض إلى الله تعالى، ليس لأحد فيه شركة ومنازعة.
ثم بيّن الله تعالى كون اختياره مبنيا على علم ثابت صحيح فقال:
{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ} أي وربك أيها العبد المخلوق يعلم ما تخفيه صدورهم وما تنطوي عليه ضمائرهم وسرائرهم من الكيد لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وعداوته، كما يعلم ما تبديه الظواهر من سائر الخلائق، كما قال:
وهذا العلم الشامل المطلق صادر ممن له خصائص الألوهية وكونه الإله الفرد الصمد، فقال:
{وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ} أي هو المنفرد بالألوهية، فلا معبود سواه، كما لا رب يخلق ما يشاء ويختار غيره، فهو العليم بكل شيء القادر على كل شيء.
وفيه تنبيه على كونه قادرا على كل الممكنات، عالما بكل المعلومات، منزها عن النقائص والآفات، لذا كان هو المستحق للحمد والشكر كما قال:
{لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ} أي إنه تعالى وحده المستحق للحمد والشكر، والعبادة، المحمود في جميع ما يفعله في الدنيا والآخرة؛ لأنه بعدله وحكمته يمنح النعم ويفيض الخير على مخلوقاته.