الزمن كله ليلا لمدة ستة أشهر، ثم يكون مثلها نهارا، فمن الإله غير الله الذي يتمكن من الإتيان بضياء النهار، أفلا تسمعون ذلك سماع تدبر وتفهم وتفكر، فتقلعوا عن الإشراك بالله؛ لأن كل من سوى الله عاجز عن ذلك وغيره؟ ثم ذكر العكس فقال:
- {قُلْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ، أَفَلا تُبْصِرُونَ}؟ أي وقل لهم أيضا أيها الرسول: أخبروني إن جعل الله زمنكم كله نهارا، فجعل النهار دائما متصلا إلى يوم القيامة دون أن يعقبه ليل، فتتعب الأبدان وتكل الأجسام من كثرة الحركات والأشغال، فمن ذلك الإله غير الله يستطيع الإتيان بليل تستقرون وتستريحون فيه من عناء التعب، أفلا تبصرون هذه الظاهرة والحقيقة الدالة على القدرة الإلهية التامة، فتعلموا أن المستحق للعبادة والتأليه هو الله المنعم بهذه النعم؟ - {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي ومن رحمته بكم أيها الخلق تعاقب الليل والنهار وتفاوتهما، فجعل لكم الليل ظلاما للراحة والسكن والاستقراء وهدوء النفس من عناء العمل النهاري، وجعل لكم النهار مضيئا لتبصروا فيه منافعكم، وتحصلون فيه معايشكم، وتتنقلوا فيه بالأسفار من بلد لآخر، ويمتلئ بالحركات والأشغال، بحثا عن موارد الرزق، وقضاء الحاجات بأنس ومتعة لا يتوافران في العمل الليلي، فتشكروا الله بأنواع العبادات ليلا ونهارا على ما أنعم به عليكم من هذه النعم دون أن يشاركه فيها شريك؟ دلّ هذا بحق على أن تعاقب الليل والنهار من أعظم النعم على المخلوقات، بل ومن البراهين الدالة على كمال القدرة الإلهية، كما قال سبحانه:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً}[الفرقان ٦٢/ ٢٥]