مذكورا، وزودهم بالقدرة الجسدية وبطاقات المعرفة من السمع والبصر والفؤاد، فإن الذي بدأ هذا قادر على إعادته، فإنه سهل عليه، يسير لديه، بل هو أهون عليه، كما قال سبحانه:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}[الروم ٢٧/ ٣٠].
وبعد إثبات المعاد بالدليل المشاهد في الأنفس، لفت الله تعالى النظر إلى آياته في الآفاق، فقال:
{قُلْ: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ، فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ، ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ، إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قل يا محمد: سيروا أيها المنكرون للبعث في الأرض، فانظروا كيف بدأ الله خلق السموات وما فيها من الكواكب النيّرة الثوابت والسيارات، والأرضين وما فيها من جبال ومهاد ووديان وبراري وقفار، وأشجار وأثمار، وأنهار وبحار، كل ذلك دال على حدوثها في أنفسها، وعلى وجود صانعها الفاعل المختار. وذلك كقوله تعالى:{سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ، حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصلت ٥٣/ ٤١] وقوله سبحانه:
هذا هو المتفرد بالخلق، وذلك دليل على وجوده، ومن قدر على الخلق قدر على الإعادة وإنشاء النشأة الآخرة يوم القيامة، فإن الله قدير على كل شيء، ومنه البدء والإعادة. وقد عبر أولا بلفظ المستقبل {كَيْفَ يُبْدِئُ} للدلالة على القدرة المستمرة، ثم عبّر بلفظ الماضي {كَيْفَ بَدَأَ} للعلم بما بدأ.
ويلاحظ أنه تعالى قال أولا {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ} بصيغة الاستفهام، ثم قال:{سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} بصيغة الأمر؛ لأن الآية الأولى إشارة إلى العلم الحدسي: وهو الحاصل من غير طلب، والآية الثانية إشارة إلى