للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان أولا، لا أنه خلقه حيوانا ثم جعله إنسانا، ثم زوده بعد الخلق بطاقات الإدراك والمعرفة والعلم والعقل، فأصبح هناك عقلاء ناطقون يتصرفون في قوام معايشهم، لم يخلقهم عبثا، وإنما لحكمة ورسالة معينة، ومن قدر على هذا فهو أهل للعبادة والتسبيح.

والتعبير بقوله: {بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} إشارة بقوله {بَشَرٌ} إلى القوة المدركة المغايرة للحيوان، وبقوله {تَنْتَشِرُونَ} إشارة إلى القوة المحركة، وكلاهما من التراب عجيب. وقد خصّ الله تعالى بالذكر عنصري التراب والماء، مع أن الإنسان مركب من العناصر الأربعة وهي التراب والماء والهواء والنار؛ لأن الحاجة إلى الهواء والنار تكون بعد امتزاج الماء بالتراب، ولأن المحسوس من العناصر في الغالب هو التراب والماء (١).

٢ - الدليل الثاني:

بقاء النوع الإنساني بالتوالد: دلّ قوله تعالى {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} على أن الله خلق حواء من جسم آدم كما قال بعضهم، والصحيح كما قال الرازي: أن المراد منه من جنسكم، كما قال تعالى: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة ١٢٨/ ٩]، ويدل عليه قوله: {لِتَسْكُنُوا إِلَيْها} أي أن السكن والألفة والاطمئنان لا تتحقق إلا بين متحدي الجنس (٢). وأحاط‍ الله تعالى رباط‍ الزوجية بما يكفل دوامه واستمراره، فجعل النساء موضع سكون قلبي واطمئنان للرجال، وجعل بين الزوجين مودة ورحمة أي محبة وشفقة، كما قال السدّي، وروي معناه عن ابن عباس قال: المودّة: حبّ الرجل امرأته، والرحمة: رحمته إياها أن يصيبها بسوء.


(١) تفسير الرازي: ١٠٨/ ٢٥ - ١١٠
(٢) تفسير الرازي: ١١٠/ ٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>