وقوله:{فِطْرَتَ اللهِ} أي الزموا فطرة الله، أو عليكم فطرة الله. وقدر فعل الخطاب للجماعة لقوله:{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}.
{لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} أي لا ينبغي لأحد أن يبدّل أو يغير فطرة الله أي الخلقة الأصلية والملة السليمة، وهو خبر في معنى النهي أو الطلب، أي لا تبدلوا خلق الله ودينه بالشرك، فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها.
وهذا دليل على سلامة الخلقة العقدية، ونقاوة العقل البشري في أصل التكوين والوجود، ثم يحدث التغيير بتأثيرات البيئة من أهواء وعلوم ومعارف زائغة، وموروثات باطلة وتقليد مستمر للأسلاف، دون إعمال الفكر وتكوين الاعتقاد بالنظرة المستقلة الصائبة، ولو ترك الإنسان وشأنه لما اختار غير الإسلام دينا؛ لأنه دين الفطرة والعقل.
{ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أي ذلك المأمور به من اتباع ملة التوحيد والتمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين المستقيم الذي لا عوج فيه ولا انحراف.
غير أن أكثر الناس لا يعرفون ذلك حق المعرفة، فهم ناكبون عنه، لعدم إعمال فكرهم والإفادة من العلم الصحيح والبراهين الواضحة الدالة عليه، ولو فكروا وعقلوا وعلموا حق العلم، لما عدلوا عن ملة التوحيد وشريعة الإسلام وهديه.
{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي اتبعوا دين الله، مقبلين عليه، راجعين إليه، وإذا أقبلتم عليه وتركتم الدنيا، فلا تأمنوا فتتركوا عبادته، بل خافوه وداوموا على العبادة، وراقبوه فلا تفرطوا في طاعة، ولا ترتكبوا معصية، وأقيموا الصلاة، أي داوموا على إقامتها كاملة