للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك اليوم الذي يتفرق فيه الناس بحسب أعمالهم، ففريق في الجنة، وفريق في السعير.

ثم بين الله تعالى أن جزاء كل فريق بحسب عمله ونتيجة فعله، فقال:

{مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ، وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} أي من كفر بالله وكتبه ورسله، وكذب باليوم الآخر، فعليه وبال كفره ووزره وإثمه وعاقبته، ومن آمن بالله وكتبه ورسله وبالبعث، وعمل الأعمال الصالحة، فأطاع الله فيما أمر، وانتهى عما نهى عنه، فقد أعدّ لنفسه الفراش الوطيء الوثير المريح، والمسكن الفسيح، والقرار الدائم.

وإنما قال: {وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً} ولم يقل: ومن آمن؛ لأن العمل الصالح المقبول لا يكون إلا بعد الإيمان، ولأن بالعمل الصالح يكمل الإيمان، فذكره تحريضا للمكلف عليه، وأما الكفر إذا حدث فلا زنة للعمل معه.

وسبب التفرقة في الجزاء هو ما قال:

{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ} أي أنا المجازي فكيف يكون الجزاء؟ وأنهم يتفرقون فريقين فكيف يجازون؟ إنني أجازي المؤمنين الذين يعملون الصالحات بفضلي وإحساني، فالمجازاة مجازاة الفضل، فأكافئ الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبع مائة ضعف، إلى ما شاء الله، وأما الكافرون فإن الله يبغضهم ويعاقبهم، ولكنه عقاب عادل لا يجور فيه، وهذا تهديد ووعيد.

ودل قوله: {مِنْ فَضْلِهِ} على أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله، لقلته وحقارته، ولكن بمحض فضل الله تعالى.

ويلاحظ‍ أنه عند ما أسند الله تعالى الكفر والإيمان إلى العبد المخلوق، قدّم الكافر، فقال: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} وعند ما أسند الجزاء إلى نفسه، قدم

<<  <  ج: ص:  >  >>