وترتب على إعراضهم عن الإيمان عنادا واستكبارا الطبع على القلوب كما قال تعالى:
{كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} أي مثل ذلك الختم وحجب الخير والحق يختم الله على قلوب الجهلة الذين لا يتعلمون ولا يعلمون حقيقة الآيات البينات في القرآن المجيد، لسوء استعدادهم، وإصرارهم على تقليد الأسلاف، واعتقاد الخرافات.
ثم أمر الله رسوله بالصبر على مخالفتهم وأذاهم وعنادهم، فقال:
{فَاصْبِرْ، إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} أي فاصبر أيها الرسول على أذى المشركين وتابع في تبليغ رسالتك، فإن وعد الله الذي وعدك به من نصره إياك عليهم وظفرك بهم، وجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدنيا والآخرة، حق ثابت لا شك فيه، ولا بد من إنجازه والوفاء به.
{وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} ولا يحملنك على الخفة والقلق جزعا مما يقول الذين لا يوقنون بالله واليوم الآخر، فإنهم قوم ضالون، واثبت على ما بعثك الله به، فإنه الحق الذي لا محيد عنه، بل الحق كله منحصر فيه. وهذا إشارة إلى وجوب مداومة النبي صلّى الله عليه وسلّم على الدعوة إلى الإيمان.
روى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن أبي شيبة وابن المنذر والحاكم والبيهقي أن رجلا من الخوارج نادى عليا رضي الله عنه، وهو في صلاة الغداة (الفجر) فقال: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ}[الزمر ٦٥/ ٣٩] فأنصت له عليّ حتى فهم ما قال، فأجابه وهو في الصلاة:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ}.