للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} أي المدبر لهذه الأمور هو العالم بجميع الأشياء، يعلم ما يغيب عن الأبصار، مما يجول في خلجات النفس، وما لا تدركه العين المجردة، ويعلم ما هو مشاهد تعاينه الأبصار، وهو العزيز الذي قد عزّ كل شيء، فقهره وغلبه، ودانت له العباد والرقاب، القوي الشديد في انتقامه ممن كفر به وأشرك معه غيره، وكذب رسله، وهو الرحيم بعباده المؤمنين الطائعين القانتين التائبين الذين يعملون الصالحات، يرحمهم في تدبير شؤونهم في الدنيا وفي الآخرة.

وبعد إثبات الوحدانية بالآفاق من خلق السموات والأرض، ذكر تعالى الدليل الدال عليها من الأنفس، فقال:

{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ} أي إن ذلك المدبر للأمور العليم الخبير القوي الرحيم هو الذي أحسن خلق الأشياء وأتقنها وأحكمها، وبدأ خلق أبي البشر آدم من طين، والطين مكوّن من ماء وتراب.

وكذلك يعتمد الإنسان في تكوينه وبقاء حياته على الطين؛ لأن المني ناشئ من الغذاء، والغذاء إما من الحيوان وإما من النبات، وكلاهما يعتمد على ما تخرجه الأرض الترابية.

{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ} أي ثم جعل ذرية الإنسان يتناسلون من امتزاج نطفة الرجل بماء المرأة الذي فيه البويضة التي تتلقح بنطفة الرجل، فيتم التوالد والتناسل وبقاء النوع الإنساني من خلاصة من ماء ضعيف ممتهن عادة وهو المني.

{ثُمَّ سَوّاهُ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ} أي ثم بعد خلقه من تراب جعله سويا مستقيما، فقوّم أعضاءه، وعدّلها، وأتمها، ونفخ فيه الروح التي هي من أمر الله والتي لا يعرف حقيقتها إنسان، فبدأ

<<  <  ج: ص:  >  >>