٥ - الله تعالى في خلقه وتدبيره وحسمه أمر الدنيا بالقيامة يعلم ما غاب عن الخلق وما حضرهم، فلا تفوته مصلحة، ولا تخفى عليه خافية من أعمال المخلوقات. وفي هذا الكلام معنى التهديد والوعيد، يراد به أن أخلصوا أفعالكم وأقوالكم، فإني أجازي عليها.
٦ - لله القدرة البالغة التي لا توصف عظمتها وحدودها، فقد خلق أصل الإنسان من طين، ثم جعل ذريته يتناسلون كذلك من ماء ممتهن ضعيف، ثم أكمله وأتمه وعدّله ونفخ فيه الروح، وخلق فيه حواس السمع والبصر والعقل أدوات المعرفة ووسائل إدراك الحق والهدى، وتلك نعم عظمي تستحق الشكر والوفاء بالمعروف، لكن أكثر الناس كافرون لا يشكرون، وقليل من عباده الشكور.
ويلاحظ أن الترتيب في السمع والأبصار والأفئدة على مقتضى الحكمة؛ لأن الإنسان يسمع أولا الأمور فيفهمها، ثم يبصر الأمور، ثم يحصل له بعد السمع والبصر الإدراك التام والذهن الكامل، فيستخرج الأشياء مما سمع ورأى.
وسبب ذكر السمع مصدرا، والأبصار والأفئده اسما، فجمع الأبصار والأفئدة ولم يجمع السمع: هو لحكمة هي أن الإنسان لا يسمع في زمان واحد كلامين على وجه يضبطهما، ولا اختيار لمحل السمع وهو الاذن، ويدرك في زمان واحد صورتين فأكثر بالعين ويعيهما ويستبينهما في القلب، ولمحل البصر وهو العين شبه اختيار، فإنها تتحرك إلى جانب مرئي دون غيره، وكذلك الفؤاد محل الإدراك له نوع اختيار، فذكر في السمع المصدر الذي هو القوة، وفي الأبصار والأفئدة الاسم الذي هو محل القوة.