تعالى بعدئذ في هذه السورة:{ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ.}. [٤٠].
وهذا هو المقصود بالنفي، قدّم الله له نفي أمر حسي معروف وهو ازدواج القلب في الإنسان، ثم أردفه بنفي أمرين معنويين هما اجتماع الزوجية مع الظهار، والتبني مع النسب، فالثلاثة باطلة لا حقيقة لها، لذا قال تعالى مؤكدا النفي:
{ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ} أي ذلكم المذكور كله في الجمل الثلاث من ادعاء وجود قلبين في صدر واحد، واجتماع الزوجية مع الظهار، والتبني مع النسب هو مجرد قول باللسان، لا صلة له بالحقيقة، فلا تصبح الزوجة بالظهار أما، ولا المتبني ابنا. وزيادة قوله تعالى:{بِأَفْواهِكُمْ} للتنبيه على أنه قول صادر من الأفواه فقط، من غير أن يكون له حقيقة في الواقع، كما أن زيادة {فِي جَوْفِهِ} لتأكيد الإنكار وزيادة تصويره للنفوس.
{وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} أي والله هو الذي يقرر الصدق والعدل، ويقول الواقع، ويرشد إلى السبيل الأقوم الصحيح والطريق المستقيم، فدعوا قولكم، وخذوا بقوله عز وجل. ثم فصل تعالى هذا الحق المقصود أصالة بالآية فقال:
{اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ} أي انسبوا أولئك الذين تبنيتموهم وألحقتم نسبهم بكم إلى آبائهم الحقيقيين، فذلك أعدل في حكم الله وشرعه، وأصوب من نسبة الابن لغير أبيه. فقوله {أَقْسَطُ} أفعل التفضيل، وهو ليس على بابه، أي لا يراد به المفاضلة بين اثنين، بل قصد به الزيادة مطلقا، ويجوز أن يكون على بابه على سبيل التهكم بهم.
{فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ} أي فإن جهل آباء هؤلاء الأدعياء، فهم إخوانكم في الدين إن كانوا قد أسلموا، وهم مواليكم في الدين