المصالح والانغماس في المفاسد، كما قال تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ}[النور ٦٣/ ٢٤].
وإزاء هذا الحكم الإلهي القاطع والتحذير من العصيان، فإن زينب بنت جحش التي نزلت الآية بسببها، امتثلت أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقبول زواجها من زيد بن حارثة مولى النبي صلّى الله عليه وسلّم وعبده المعتق، وهي من علية قريش وذؤابة القوم، وبنت أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقالت:«إذن لا أعصي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قد أنكحته نفسي» بعد أن استنكفت من زيد، وقالت: أنا خير منه حسبا» لأنها كانت امرأة فيها حدّة.
وكان في زواجها بزيد حكمة بالغة هي إعلان المساواة بين الناس، والقضاء على فوارق النسب والحسب، ما دامت مظلة الإسلام واحدة يتساوى فيها الجميع، وأن التفاضل فيه إنما هو بالتقوى والعمل الصالح.
ولكن بالرغم من الموافقة الظاهرية على هذا الزواج، ظلت الكوامن النفسية والآلام قائمة، وبقيت زينب كارهة لزيد، متعالية عليه، فاشتكى منها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرارا،
فكان صلّى الله عليه وسلّم ينصحه قائلا:{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ} إلى أن نفذ حكم الله، وحدث الطلاق، وهو ما قررته الآيات التالية:
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، وَاتَّقِ اللهَ} أي واذكر يا محمد حين كنت تقول لزيد الذي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق والحرية والتربية والتقريب منك: أبق على زواجك بزينب، واصبر على طبعها وخلقها، واتق الله في شأنها وفي طلاقها، فلا تطلقها لتعاليها وشعورها بالرفعة والشرف، فإن الطلاق مضرة. وهذا نهي تنزيه وتعليم وتربية، لا نهي تحريم وحظر؛ لأن الأولى على كل حال ألا يطلقها، لأن الطلاق شائن لها.