للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإحسان: الطلقة الثالثة، بدليل

حديث أبي رزين الأسدي عند أبي داود وغيره، أنه سأل النّبي صلّى الله عليه وسلّم، سمعت الله تعالى يقول: {الطَّلاقُ مَرَّتانِ} فأين الثالثة؟ فقال: أو تسريح بإحسان. ويكون قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} بيانا لهذا (١).

والحكمة من جعل الطلاق مرتين وإثبات حق الرجعة بعد كل من الطلاق الأول والثاني: هو إعطاء الفرصة لإصلاح كل من الزوجين حاله، لأن الأوضاع تعرف بأضدادها، فلا يجد المرء مقدار النعمة ولذتها حتى يذوق طعم النقمة ويشعر بمرارتها، فقد يكون الرجل عصبي المزاج، حاد الطبع، سيء الخلق، فيتورط‍ في الطلاق، مرة بعد أخرى، فتذكره الفرقة، وما تتركه الزوجة من وحشة وفراغ (٢)، وما يتطلبه البيت والأولاد من خدمات، فيثوب لرشده، ويحد من سوء خلقه، ويصلح معاملته لزوجته، ويعاشرها بالمعروف كما أمر الله تعالى.

وقد تكون المرأة مهملة حقوق زوجها وبيتها وأولادها، مترفعة سادرة (٣) في كبريائها، فإذا أحست بألم الفرقة، ووحشة الطلاق، وأدركت أخطاءها، عادت إلى الحياة الزوجية بوجه جديد، وسلوك أفضل من السابق.


(١) قال ابن عطية: ويقوى هذا القول عندي من ثلاثة وجوه: أولها-هذا الحديث، والثاني- أن التسريح من ألفاظ‍ الطلاق، والثالث-أن فعّل تفعيلا، هذا التضعيف يعطي أنه أحدث فعلا مكررا على الطلقة الثانية، وليس في الترك إحداث فعل يعبر عنه بالتفعيل (البحر المحيط‍: ١٩٣/ ٢ - ١٩٤).
(٢) قال الرازي في تفسيره الكبير (٩٨/ ٦): الحكمة في إثبات حق الرجعة: أن الإنسان ما دام مع صاحبه لا يدري، هل تشقّ عليه المفارقة أو لا؟ فإذا فارقه، فعند ذلك يظهر، فلو جعل الله الطلقة الواحدة مانعة من الرجوع، لعظمت المشقة على الإنسان، إذ قد تظهر المنحبة بعد المفارقة، ثم لما كان كمال التجربة لا يحصل بالمرة الواحدة، أثبت تعالى حق المراجعة مرتين، وهذا يدل على كمال رحمته تعالى ورأفته بعباده.
(٣) السادر: الذي لا يهتم ولا يبالي بما يصنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>