ثم وصف الله تعالى نفسه بصفة العلم الشامل الدال على إمكان البعث، فقال:
{عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ} أي إن الله تعالى القادر على البعث لا يغيب عنه ولا يستتر عليه شيء من الموجودات ولو كان بقدر أصغر نملة، ولا أصغر من المثقال ولا أكبر منه إلا وهو محفوظ ومثبت في كتاب بيّن وهو اللوح المحفوظ. فالعلم بالغيبيات موجود، فاقتضى إمكان البعث.
ثم بيّن الله تعالى حكمته في إعادة الأجساد وقيام الساعة بقوله:
{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ، أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} أي إن يبعثهم من قبورهم في البر والبحر وأي مكان يوم القيامة ليثيب المؤمنين بالله ورسله واليوم الآخر، الذين عملوا صالح الأعمال وهو ما أمروا به، واجتنبوا ما نهوا عنه، وأولئك لهم مغفرة أي محو لذنوبهم، ونعيم في الجنة لا تعب ولا منة فيه، والمقصود أن إثابة المؤمنين حق وعدل.
هذا هو فريق المؤمنين، والفريق الثاني:
{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ، أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} أي إن الكفار المعاندين الذين حاولوا إبطال آيات القرآن وأدلة إثبات البعث، ظانين أنهم يفوتوننا فلا نقدر عليهم، لهم عذاب شديد في نار جهنم هو أسوأ العذاب وأشده، وهو مؤلم شديد الألم. وهذا التعذيب أيضا حق وعدل، حتى لا يتساوى المسيء مع المحسن، كما قال تعالى:{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ}[سورة ص ٢٨/ ٣٨] وقال سبحانه: {لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ، أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ}[الحشر ٢٠/ ٥٩].