من عبادي من يشكرني، فيستعمل جميع جوارحه فيما خلقت له من المنافع المباحة. والشكور: هو الذي يشكر في جميع أحواله من الخير والضرّ. كما قال تعالى:{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ، وَقَلِيلٌ ما هُمْ}[ص ٢٤/ ٣٨] وهذا إخبار عن الواقع.
ورد في الصحيحين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:«إنّ أحبّ الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وأحبّ الصيام إلى الله تعالى صيام داود، كان يصوم يوما، ويفطر يوما، ولا يفرّ إذا لاقى».
وأخرج مسلم في صحيحة عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم من الليل حتى تفطّر قدماه، فقلت له: أتصنع هذا، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أكون عبدا شكورا».
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صعد المنبر، فتلا هذه الآية، ثم قال:«ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود، فقلنا: ما هنّ؟ فقال: العدل في الرّضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السّرّ والعلانية».
ومع هذه النعم وعظمة سليمان عليه السلام ذكر تعالى كيفية موته وتعميته على الجن المسخرين له في الأعمال الشاقة، فقال:
{فَلَمّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ، ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ، فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ} أي فلما حكمنا على سليمان بالموت وألزمناه إياه، مات، وهو قائم متكئ على عصاه، ولم تعلم الجن بموته، وبقوا يعملون خوفا منه، ولم يدلّهم على موته إلا الأرضة التي أكلت عصاه من الداخل، فلما سقط بعد ما وقعت عصاه، ظهر للجن أنهم