الدنيا، وأنتم فقراء ضعفاء، فهذا دليل تميزنا وتفاخرنا، وهو دليل على محبة الله تعالى لنا ورضاه عنا، وما نحن عليه من الدين، وما كان ليعطينا هذا في الدنيا ويحسن إلينا، ثم يعذبنا في الآخرة.
ولكن هذه النظرة خطأ محض، وقياس باطل، فإن الإمداد بالأموال غالبا ما يكون للاستدراج، كما قال تعالى:{أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ، نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ، بَلْ لا يَشْعُرُونَ}[المؤمنون ٥٦/ ٢٣ - ٥٥]. وقال سبحانه:
{قُلْ: إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ} أي قل أيها الرسول لهم:
إن الله يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب، فيغني من يشاء، ويفقر من يشاء، لا لمحبة لمن وسع عليه، ولا لبغض لمن ضيق عليه، وإنما له في ذلك حكمة تامة بالغة، ولأن الدنيا لا تساوي شيئا في ميزان الله، كما
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه الترمذي عن سهل بن سعد:«لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء».
{وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أي إن أكثر الناس لا يعلمون حقيقة سنن الله في الكون، فقياس الدار الآخرة على الدار الأولى في مسألة الرزق غلط بيّن، أو مغالطة واضحة، فقد يعطي الله العاصي والكافر استدراجا، ويمنع الطائع والمؤمن ابتلاء واختبارا، ليصبر، فتكثر حسناته عند الله، وبه يتبين أن ما يزعمه المترفون من أن مدار التوسعة هو الشرف والكرامة ومدار التضييق هو الهوان والذل: لا حقيقة له ولا أصل في تقدير الله تعالى.
ثم أبان تعالى ميزان القربى عنده، وأنها ليست بكثرة المال والولد، وإنما بالإيمان والعمل الصالح، فقال: