{ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} أي أحذركم وأنذركم سوء عاقبة ما أنتم فيه، وآمركم وأنصحكم بخصلة واحدة: هي قيامكم في طلب الحق بالفكرة الصادقة، والتأمل الذاتي المجرد المخلص، دون تأثر بهوى أو عصبية، متفرقين اثنين اثنين، أو واحدا واحدا؛ لأن الاجتماع والتجمهر يشوّش الفكر، وينشر الغوغائية والفوضى، ويثني الفكر عن الصواب، ثم ينصح بعضكم بعضا بإخلاص أن ينظر ويتفكر في حقيقة أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم وما جاء به من الكتاب، فإنكم حينئذ تعلمون أن صاحبكم ليس بساحر ولا مجنون؛ ليس في أحواله ولا تصرفاته ما يدل على ذلك، وإنما هو نبي مؤيد من عند الله بالمعجزات الدالة على صدقه.
{إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ} أي وما هذا الرسول إلا منذركم ومخوفكم ما تستقبلونه من عذاب شديد على النفوس يوم القيامة. وجعل إنذاره بين يدي العذاب إشارة إلى قرب العذاب؛ لأنه بعث قرب الساعة،
روى الإمام أحمد حديثا هو:«بعثت أنا والساعة جميعا إن كادت لتسبقني».
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «صعد النبي صلّى الله عليه وسلّم الصّفا ذات يوم، فقال: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبّحكم أو يمسّيكم، أما كنتم تصدقوني؟ قالوا: بلى، قال صلّى الله عليه وسلّم: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب:
تبّا لك، ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله عز وجل:{تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ، وَتَبَّ}[المسد ١/ ١١١].