والناس في طرقهم وأسواقهم ومجالسهم، حتى إن الثوب ليكون بين الرجلين يتساومانه، فما يرسله أحدهما من يده حتى ينفخ في الصور، فيصعق به، وهي التي قال الله:{ما يَنْظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ، وَهُمْ يَخِصِّمُونَ}.
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ص:
«لتقومنّ الساعة، وقد نشر الرجلان ثوبهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومنّ الساعة، والرجل يليط (١) حوضه، فلا يسقي منه، ولتقومنّ الساعة، وقد انصرف الرجل بلبن لقحته (نعجته)، فلا يطعمه، ولتقومنّ الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه (فمه)، فلا يطعمها».
ثم أبان تعالى سرعة حدوث الموت العام أو الصيحة، فقال:
{فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} أي لا يستطيع بعضهم أن يوصي إلى بعض بما له من أملاك وما عليه من ديون، بل يموتون في أسواقهم ومواضعهم، ولا يتمكنون من الرجوع إلى منازلهم التي كانوا خارجين عنها.
ثم أخبر الله تعالى عن نفخة ثانية هي نفخة البعث والنشور من القبور، فقال:
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} أي ونفخ في الصور نفخة ثانية للبعث والنشور من القبور، فإذا جميع المخلوقين يخرجون من القبور، يسرعون المشي إلى لقاء ربهم للحساب والجزاء، كما قال تعالى:{يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً، كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ}[المعارج ٤٣/ ٧٠].
ثم ذكر ما يطرأ عليهم بعد البعث من الأهوال والمخاوف فقال تعالى:
{قالُوا: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا} أي قال المبعوثون: يا هلاكنا من الذي بعثنا من قبورنا بعد موتنا؟ وهي قبورهم التي كانوا يعتقدون في دار