قال تعالى:{وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ.}. [العصر ١/ ١٠٣ - ٣]{كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ.}. [المدثر ٣٨/ ٧٤ - ٣٩]. و {الْمُخْلَصِينَ} صفة مدح، لأن كونهم عباد الله يلزم منه أن يكونوا مخلصين.
ولهؤلاء المخلصين رزق من الله، معلوم حسنه وطيبه ودوامه دون انقطاع في الجنة، يعطونه بكرة وعشيا، وإن لم يكن ثمة بكرة وعشية، فيتمتعون بلذيذ الفواكه المتنوعة أي الثمار كلها، فهي أطيب ما يأكلونه، وذلك الأكل حاصل مع الإكرام والتعظيم، فهم يخدمون ويرفهون، ولهم أيضا إكرام عظيم برفع درجاتهم في الجنة عند ربهم، ويسمعون كلامه ويلقونه في رحاب الجنان.
وفي هذا دلالة على أن تناولهم الفاكهة إنما هو تلذذ لا للتغذي والقوت، لأنهم مستغنون عنه، لأنهم أجسام محكمة مخلوقة للأبد. ووصف {رِزْقٌ} بمعلوم، أي عندهم.
وبعد بيان مأكولهم، وصف الله تعالى مساكنهم، فقال:
{فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ، عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ} أي إن هذا الرزق يأتيهم في جنات ذات نعيم مقيم ومتاع دائم، وهم على أسرة يتكئون عليها، ينظر بعضهم إلى وجوه بعض، بسرور وابتهاج، لا ينظر بعضهم في قفا بعض، فصاروا يجمعون بين المتعة المادية الجسدية، والمتعة الروحية الإنسانية.
وبعد بيان صفة المأكل والمسكن ذكر تعالى صفة الشراب، فقال:
{يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} أي يدار عليهم بآنية من خمر تجري في أنهر، والمعين: الماء الجاري، فهي تخرج من العيون كما يخرج الماء دون انقطاع، وسمي معينا لظهوره.