وبعد وصف عذابهم في أكلهم وشربهم ذكر الله تعالى علة العذاب قائلا:
{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ، فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ} أي إنهم وجدوا وصادفوا آباءهم على الضلال، فاقتدوا بهم وقلدوهم، من غير تعقل ولا تدبر، ولا حجة وبرهان، فهم يتبعون آباءهم في سرعة، كأنهم حرّضوا على ذلك، وأزعجوا إلى اتباع آبائهم.
ثم بيّن الله تعالى أن الكفر ظاهرة قديمة، وأتباعه كثر، تسلية للرسول ص في كفر قومه وتكذيبهم، فقال:
{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} أي إن أكثر الأمم الماضية كانوا ضالين، يجعلون مع الله آلهة أخرى.
ولكن رحمته تعالى لم تتركهم دون إنذار، فقال:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ} أي أرسل الله في الأمم الماضية أنبياء ورسلا ينذرونهم بأس الله، ويحذرونهم سطوته ونقمته ممن كفر به، وعبد غيره، لكنهم تمادوا في مخالفة رسلهم وتكذيبهم فأهلكهم الله، كما قال:
{فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} فانظر أيها الرسول والمخاطب كيف كان مصير الكافرين المكذبين، أهلكهم الله ودمّرهم وصاروا إلى النار، مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، ثم استثنى تعالى منهم المؤمنين قائلا:
{إِلاّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ} أي لكن نجى الله عباده الذين اصطفاهم وأخلصهم لطاعته، بتوفيقهم إلى الإيمان والتوحيد، والعمل بأوامر الله، ففازوا بجنان الخلد، ونصرهم في الدنيا.
ويفهم من هذه التسلية للرسول ص أنه يجب عليه أن يكون له أسوة بمن