{وَإِنّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ، وَإِنّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} أي قالت الملائكة أيضا:
وإنا لنحن الصافون صفوفا في مواقف العبودية، وإنا لنحن المسبحون باللسان وبالصلاة، المنزهون الله تعالى عما لا يليق به، فنحن عبيد فقراء لله. والمقصود أن صفات الملائكة هي التذلل والعبادة لله، وليسوا كما وصفهم به الكفار من أنهم بنات الله، وهو إشارة إلى درجاتهم في المعارف، كما أن الأول إشارة إلى درجاتهم في الطاعة.
ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال:«خرج علينا رسول الله ص، ونحن في المسجد، فقال: ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربها، فقلنا: يا رسول الله، كيف تصفّ الملائكة عند ربها؟ قال: يتمّون الصفوف الأوّل، ويتراصّون في الصف».
وفي صحيح مسلم أيضا عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ص: «فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجدا، وتربتها طهورا».
وكان عمر رضي الله عنه إذا قام للصلاة يقول: أقيموا صفوفكم، واستووا، إنما يريد الله بكم هدي الملائكة عند ربها، ويقرأ:{وَإِنّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} تأخر يا فلان، تقدم يا فلان، ثم يتقدم فيكبّر.
ثم ذكّر تعالى بما كان يقول المشركون قبل البعثة النبوية:{وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ: لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ، لَكُنّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أي إن المشركين كانوا قبل بعثة النبي ص، إذا عيّروا بالجهل، قالوا: لو كان عندنا كتاب من كتب الأولين كالتوراة والإنجيل، لأخلصنا العبادة لله، ولم نكفر به، فجاءهم محمد ص بالذّكر المبين فكفروا به، وسوف يعلمون عاقبة كفرهم ومغبته. وهذا وعيد أكيد وتهديد شديد على كفرهم بربهم وبالقرآن وبالرسول ص.