وبعد أن نعى الله تعالى ما أمر به المشركون نبيّ الله من عبادة الأوثان، نعى عليهم أنهم لم يعرفوا الله حق المعرفة، فقال:
{وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عظموا الله حق تعظيمه، وما قدر المشركون الله حق قدره حين عبدوا معه إلها غيره، وهو الذي لا أعظم ولا أقدر منه.
روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ص، فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله عز وجل يجعل السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله ص حتى بدت نواجذه، تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله ص:{وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ..}. الآية.
وروى أحمد ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله ص قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: {وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَالسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ} ورسول الله ص يقول هكذا بيده، يحركها يقبل بها ويدبر: يمجّد الرب نفسه، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم. فرجف برسول الله ص المنبر حتى قلنا: ليخرّنّ به».
{وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ} أي والحال أن الأرض تحت تصرف الله وملكه، والسموات خاضعة لقدرته وسلطانه ومشيئته وإرادته، تنزه وتقدس الله عما يشركون به من المعبودات التي جعلوها شركاء لله، فالمراد باليمين: القدرة.
وهذه الجملة في رأي الخلف تمثيل لحال عظمة الله تعالى وكمال تصرفه ونفاذ