تعالى:{فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا} أي بالبرهان القاطع الدال على أن الله عز وجل أرسله إليهم، وهي معجزاته الظاهرة الواضحة.
{قالُوا: اُقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ} أي قال أولئك الطغاة: عودوا إلى قتل الذكور وترك النساء، لئلا يكثر جمعهم، ولكي يضعف شأنهم. وهذه هي المرة الثانية بالأمر بذلك بعد بعثة موسى، وكانت المرة الأولى قبل ولادة موسى، لأجل تفادي وجوده، ولإذلال الشعب الإسرائيلي، ولتقليل عددهم، لئلا ينصروا عليهم. ولكن الله تعالى أحبط كيدهم وأفشل خطتهم كما قال:
{وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ} أي وما مكرهم وقصدهم تقليل عدد بني إسرائيل إلا في ضياع وذهاب سدى، لم يحقق فائدة لهم، فإنهم لما باشروا قتلهم أولا، فما أفادهم، وعاش موسى، فكذلك لا يفيدهم تجديد مأساة القتل الجماعي، وسيكون النصر للمؤمنين.
ولكنه زاد في هذه المرة العزم على قتل موسى، فقال:
{وَقالَ فِرْعَوْنُ: ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى، وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} أي قال فرعون لقومه: دعوني أقتل موسى، وليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا، فليمنعه من القتل إن قدر على ذلك، ولا أبالي به. وهذا في الظاهر استهانة بدعاء رب موسى، وفي الباطن كان يرتعد من دعائه، فقوله:{وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} شاهد صدق على فرط خوفه منه.
وسبب القتل ما قال تعالى:
{إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ} أي إني أخشى أن يغير منهاج دينكم الذي أنتم عليه من عبادتي وعبادة الأصنام، ويدخلكم في