للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل ذلك، لأن كل عاقل يعلم ببديهة عقله أنه يتعذر في قدرة البشر وضع بناء يكون أرفع من الجبل العالي. والراجح أن فرعون كان من الدهرية، وغرضه من هذا الكلام إيراد شبهة تشغل الناس في نفي الإله الخالق الصانع. وكأنه يقول: لو كان إله موسى موجودا لكان له محل، ومحله إما الأرض وإما السماء، وإذا لم نره في الأرض، فهو في السماء، والسماء لا يتوصل إليها إلا بسلّم، فيجب بناء صرح للوصول إليه.

وأبطل الرازي هذه الشبهة، لأن طرق العلم بالأشياء ثلاثة: الحس، والخبر، والنظر، ولا يلزم من انتفاء طريق واحد هو الحس، انتفاء المطلوب، وذلك لأن موسى عليه السلام كان قد بيّن لفرعون أن الطريق إلى معرفته تعالى إنما هو الحجة والدليل، كما قال: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء ٢٦/ ٢٦]، {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [الشعراء ٢٨/ ٢٦] إلا أن فرعون لخبثه ومكره تغافل عن ذلك الدليل (١).

ولقد توهم فرعون أن الله في السماء، فهذا دين المشبّهة، ولعله كان على دينهم، فهو إنما ذكر هذا الاعتقاد من قبل نفسه، لا لأجل أنه قد سمعه من موسى عليه السلام. وربما فهم خطأ من قول موسى عليه السلام: {رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أنه ربّ السموات بمعنى كونه فيها، كما يقال: ربّ الدار بمعنى كونه ساكنا فيها. وأما عقيدتنا فهي كما أخبر الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ، وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف ٨٤/ ٤٣].

ويتلخص أمر فرعون في أن الشيطان زيّن له عمله وهو الشرك والتكذيب، فصده عن سبيل الحق والرشاد، وأصبح كيده واحتياله في دمار وخسران وضلال.


(١) تفسير الرازي: ٦٥/ ٢٧ - ٦٦

<<  <  ج: ص:  >  >>