{فَاصْبِرْ، إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ، وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ} أي إذا كان الأمر كذلك وهو تقرير النصر للرسل وأتباعهم، فاصبر أيها الرسول على أذى المشركين، كما صبر من قبلك من الرسل، فإن عاقبة الصبر خير، فالله ناصرك وعاصمك من الناس، ووعد الله بالنصر وغيره حق ثابت لا يخلفه أبدا، وداوم على الاستغفار لذنبك كترك الأولى، أو لزيادة الثواب، أو لإرشاد المؤمنين والتأسي بك، فإن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ودم على تنزيه الله مقرونا بحمده في أواخر النهار وأوائل الليل، وقيل: المراد:
صل في الوقتين: صلاة العصر وصلاة الفجر، أو صل الصلوات الخمس، كما قال تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ}[هود ١١٤/ ١١].
وهذا دليل على ضرورة الصبر والاستغفار من الأمة، وإنما خوطب به النبي ص للإرشاد والتعليم، وهو دليل أيضا على ملازمة التسبيح والتحميد أو أداء الصلوات المفروضة. ويلاحظ أنه تعالى قدم التوبة والمغفرة على العمل، فإنه لا يقبل العمل إلا بعد التوبة الخالصة، والتوبة قد تكون من خلاف الأولى الذي هو ذنب إذا قيس مع درجة النبي ص، ولا يعد شيئا في حق غيره.
ثم عاد البيان إلى توضيح سبب مجادلة المشركين في آيات الله، فقال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ، إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ} أي إن الذين يناقشون ويجادلون في آي القرآن، ويدفعون الحق بالباطل، بغير برهان ولا حجة أتتهم من الله، ما في قلوبهم إلا تكبر وتعاظم عن قبول الحق والتفكر فيه، وطمع أن يغلبوا محمدا ص وتكون لهم الرياسة والنبوة بعده، ولكن ما هم ببالغي ذلك، ولا بحاصل لهم، ولا محققي المراد، بل إن راية الحق ستظل مرفوعة، وقول المبطلين وفعلهم موضوع ذليل.
والمعنى بإيجاز: إن سبب تكذيب المشركين هو ما تنطوي عليه نفوسهم من الكبر والحسد، وما هم بمحققي الآمال ولا بالغي المراد.