للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر الله تعالى مثلا للغافل والمجادل بالباطل، وشبهه بالأعمى، ومثلا للمتأمل المفكر المجادل بالحجة والبرهان، وشبهه بالبصير، لاستبصاره، فقال:

{وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ} أي لا يتساوى الذي يجادل بالباطل، والذي يجادل بالحق، ولا يتساوى الكافر الذي لا يتأمل حجج الله وبيناته فيتدبرها، والمؤمن الذي يتفكر فيها ويتعظ‍ بها، فالأول شبيه بالأعمى الذي تعطلت عنده حاسة البصر، والثاني شبيه بالبصير الذي تفتحت عيناه، فتأمل في الكون واتعظ‍، وهذا تشبيه بالمحسوسات، وبينهما فرق عظيم.

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ، وَلا الْمُسِيءُ، قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ} أي وكذلك لا يستوي المحسن بالإيمان والعمل الصالح، والمسيء بالكفر وارتكاب المعاصي، فما أقل ما يتذكر كثير من الناس ويتعظ‍ بهذه الأمثال، ويدرك الفرق الواضح بين المؤمنين الأبرار المطيعين لربهم، وبين الكفرة الفجار المخالفين أمر ربهم.

وبعد تقرير الدليل الدال على إمكان وجود القيامة، أردفه بالإخبار عن وقوعها حتما، فقال تعالى:

{إِنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} أي إن يوم القيامة آت لا ريب في مجيئه ووقوعه وحصوله، فآمنوا بذلك إيمانا قاطعا لا شك فيه، ولكن أكثر الناس وهم الكفار لا يصدقون بالبعث، بل يكذبون بوجوده، لقصور أفهامهم، وضعف عقولهم عن إدراك الحجة.

ولما أثبت الله تعالى أن القيامة حق وصدق، أوضح طريق النجاة فيها وهو طاعة الله تعالى، فقال:

{وَقالَ رَبُّكُمُ: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>