٤ - ثم عمد تعالى إلى السموات وهي في حالة دخان أي كتلة غازية مظلمة، فنقلها من صفة الدخان إلى حال الكثافة، وتمّ الأمر الإلهي للأرض والسماء بأن يجيئا بما خلق فيهما من المنافع والمصالح والخروج للخلق، فاستجابتا للأمر وانقادتا له.
٥ - أكمل الله تعالى خلق السموات السبع وفرغ منهن في مقدار يومين هما يوما الخميس والجمعة، سوى الأيام الأربعة التي خلق فيها الأرض، فصار خلق السموات والأرض في أيام ستة، كما قال تعالى {خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ}.
٦ - لم يكن خلق السموات خاليا من النظام، وإنما نظم تعالى أمرها، فخلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها، وأوجد في كل سماء ملائكة، وأودع فيها خزائن المطر، وجعل لها نظاما بديعا تسير عليه دون توقّف ولا تعثّر ولا تصادم مع غيرها، وجعل الكواكب مختصة بالسماء الدنيا، وحفظها من كل اضطراب ومن الشياطين الذين يسترقون السمع.
٧ - ظاهر هذه الآية يدلّ على أن الأرض خلقت قبل السماء، وقال تعالى في آية أخرى:{أَمِ السَّماءُ بَناها، رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها}[النازعات ٢٧/ ٧٩ - ٣٠]، وهذا يدلّ على خلق السماء أولا.
فقال ابن عباس: خلقت الأرض قبل السماء، فأما قوله:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} فالدّحو غير الخلق، فالله خلق الأرض، ثم خلق السموات، ثم دحا الأرض، أي مدّها وبسطها. وأيّده ابن كثير قائلا: ففصل ها هنا في هذه الآيات ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء، فذكر أنه خلق الأرض أولا، لأنها كالأساس، والأصل أن يبدأ بالأساس، ثم بعده بالسقف، كما قال عزّ وجلّ: