ثم أبان الله تعالى مبدأ حرية الإيمان لتسلية رسوله عما يقاسي من كفر قومه، فقال:
{وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً، وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ، وَالظّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} أي لو أراد الله لجعل الناس جميعا أهل دين واحد، إما على هدى، وإما على ضلالة، ولكن اختلفوا على أديان مختلفة بالمشيئة الأزلية، وبمقتضى العلم الأزلي بما يختاره الإنسان، فيكون إما مؤمنا وإما كافرا، والله تعالى حكيم لا يفعل إلا ما فيه المصلحة، فمن علم منه اختيار الهدى والدين الحق وهو الإسلام، هداه ووفقه إليه، فيدخله بذلك في جنته، ومن علم منه اختيار الضلال والكفر، أضلّه، فيدخله بذلك في السعير، وهؤلاء هم الظالمون الكافرون المشركون الذين ليس لهم ولي يدفع عنهم العذاب، ولا نصير ينصرهم يوم الحساب والعقاب.
وهذه الآية تقرير للآية السابقة:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ، اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} أي ليس في قدرته حملهم على الإيمان، وإنما القادر على ذلك هو الله تعالى.
والآية أيضا تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم عما كان يكابده ويعانيه من كفر قومه وإعراضهم عن دعوته، وكأنه تعالى يقول له: لا تأس ولا تحزن على عدم إيمانهم، فالهداية والضلالة تابعتان للمشيئة الإلهية، فمن سبقت له السعادة فهو السعيد، ومن سبقت له الشقاوة فهو الشقي. ويكون موضوع الآية مثل آية:{فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}[الكهف ٦/ ١٨].
لهذا أمر الله نبيه بعدم الاهتمام بهم بسبب وثنيتهم وشركهم، فقال: