{أَمْ يَقُولُونَ: اِفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً} أي بل أيقولون: افترى محمد على الله كذبا بدعوى النبوة ونزول القرآن عليه، وهذا أقبح من الشرك الذي جعلوه شرعا لهم، أي أنه تعالى أضرب عن الكلام المتقدم من غير إبطال، ثم استفهم استفهام إنكار وتوبيخ على هذه المقالة، فمثله لا ينسب إليه الكذب على الله، مع اعترافكم له قبل ذلك بالصدق والأمانة.
ثم أكد ذلك فرد الله عليهم مستبعدا الافتراء من مثل محمد الرسول، فقال:
{فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ، وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ، وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} أي لو افتريت على الله كذبا، لطبع على قلبك إن شاء، وسلبك ما آتاك من القرآن، فلا يجرأ على مثل هذا إلا من كان مثلهم قد ختم الله على قلوبهم وعلى أسماعهم وعلى أبصارهم، فأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا يجرأ على ذلك، وهذا هو الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنه لم يفتر على الله كذبا، فأيده الله.
وقال أبو السعود: والآية استشهاد على بطلان ما قالوا ببيان أنه صلّى الله عليه وسلّم لو افترى على الله تعالى لمنعه من ذلك قطعا، بالختم على قلبه بحيث لا يخطر بباله معنى من معانيه، ولم ينطق بحرف من حروفه (١).
ثم أكد الله تعالى ذلك بإبطال الباطل وإحقاق الحق، فالله سبحانه وتعالى لا يدع الباطل يستمر، فلو كان ما أتى به النبي صلّى الله عليه وسلّم باطلا لمحاه، كما جرت به عادته في المفترين، وإنما يثبّت الحق، أي الإسلام، فيبينه بما أنزل من القرآن،