{سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي لتستقروا ولتستعلوا متمكنين مرتفقين على ظهور هذا الجنس من المخلوقات وهو ما تركبونه من الفلك والأنعام، ثم تذكروا مع التعظيم في قلوبكم وألسنتكم نعمة الله التي أنعم بها عليكم من تسخير المراكب في البحر والبر، فتعرفوا أن الله تعالى خلق وجه البحر صالحا للأبحار والرياح قوة دافعة، وعلّم الإنسان كيفية صنع السفينة على نحو يتمكن فيها من الأبحار عليها إلى أي مكان شاء وأراد.
وتقولوا إذا استويتم وركبتم على المركوب. {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي تنزيها لله، عن كل عجز ونقص لا يليق، الذي ذلل لنا هذا المركب، وما كنا مطيقين لتسخيره لولا أن سخره الله لنا.
{وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ} أي وإنا لصائرون راجعون إليه بعد مماتنا، فيجازي كل نفس بما عملت من خير أو شر. ووجه اتصال هذا الكلام بما قبله أن ركوب الفلك والأنعام عرضة لخطر الهلاك، فوجب على الراكب أن يتذكر أمر الموت وأن يعتقد أنه هالك لا محالة، وأنه راجع إلى الله تعالى.
أخرج مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:«إن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا ركب راحلته، كبّر ثلاثا، ثم قال:
{سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ} ثم يقول: اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا السفر، واطو لنا البعيد، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا، وأخلفنا في أهلنا». وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا رجع إلى أهله قال:«آيبون تائبون إن شاء الله عابدون، لربنا حامدون».