{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ} أي ويقال لهم في الآخرة توبيخا وتأنيبا وتيئيسا: لن ينفعكم في هذا إذ تبين أنكم ظلمتم أنفسكم في الدنيا اشتراككم في العذاب، فلا يخفف عن كل منكما شيء منه، بخلاف حال الدنيا، فإن المصيبة فيها إذا عمت هانت. وهذا يدل على أن حصول الشركة في العذاب لا يفيد التخفيف، كما كان يفيده في الدنيا، لأن اشتغال كل واحد بنفسه في شدة العذاب، يذهله عن حال الآخر، فلا تفيد الشركة الخفة، ولا يتمكن كل واحد من مواساة الآخر في كربه وحزنه وألمه، فلكل قدر مشترك من العذاب.
ثم بيّن الله تعالى لرسوله أن دعوته لا تؤثر في قلوبهم تسلية له، فقال:
{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي أتستطيع يا محمد إسماع أهل الصمم أو هداية أهل العمى أو إرشاد من مستغرقا في ضلال واضح بيّن. وهذا بعد أن وصفهم تعالى بالعشا، وصفهم بأوصاف ثلاثة هي: الصمم والعمى والضلال البيّن، فهؤلاء الكفار ضعاف البصيرة، بمنزلة الصم الذين لا يسمعون ما جئت به أيها الرسول، وبمنزلة العمي الذين لا يبصرونه، وهم مفرطون في الضلالة والكفر والجهالة.
وكان التناسب بينهم وبين الرسول صلّى الله عليه وسلّم عكسيا، فهو صلّى الله عليه وسلّم يبالغ في دعوتهم إلى الإيمان الحق، وهم لا يزدادون إلا غيا وتعاميا عن بيّنات القرآن ودلائل النبوة، إمعانا في الكفر، وعنادا في الباطل.
ثم أعلم الله رسوله بانتقامه منهم، فقال:
{فَإِمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} أي إنهم لا يفلتون من العقاب في العاجل أو الآجل، فإن قبضنا روحك وأمتناك أيها الرسول قبل نزول العذاب بهم، فنحن منتقمون منهم إما في