للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليمتنا الله أو ليقبض أرواحنا، فيريحنا مما نحن فيه من العذاب، فأجابهم بقوله:

إنكم مقيمون في العذاب، لا خروج لكم من النار، ولا محيد لكم عنها. قال المحققون: سمي خازن النار مالكا، لأن الملك علقة، والتعلق من أسباب دخول النار، كما سمي خازن الجنة رضوانا، لأن الرضا بحكم الله سبب كل راحة وسعادة، وصلاح وفلاح.

وذلك كقوله تعالى: {لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها} [فاطر ٣٦/ ٣٥] وقوله سبحانه: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى، الَّذِي يَصْلَى النّارَ الْكُبْرى، ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى} [الأعلى ١١/ ٨٧ - ١٣]. وقد روي أن أهل النار استغاثوا بالخزنة، وسألوهم أن يخفف عنهم ربهم يوما واحدا من العذاب، فردت الخزنة عليهم أسوأ رد: {وَقالَ الَّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ: اُدْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ. قالُوا: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ، قالُوا:}

{بَلى، قالُوا فَادْعُوا، وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ} [غافر ٤٩/ ٤٠ - ٥٠].

ثم ذكر الله تعالى سبب عقابهم قائلا:

{لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ، وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ} أي لقد بينا لكم الحق ووضحناه وفسرناه، وأرسلنا إليكم الرسل، وأنزلنا عليهم الكتب، فدعوكم إلى الصراط‍ المستقيم، فأبيتم وكذبتم وكفرتم وعاندتم، وكان أكثركم أي كلكم كارهين للحق وأهله لا يقبلونه.

ولما ذكر الله تعالى كيفية عذابهم في الآخرة ذكر بعده كيفية مكرهم وفسادهم في الدنيا، فقال بطريق الالتفات عن الخطاب إلى الغيبة لبيان كون تدبيرهم أسوأ من كراهتهم للحق:

{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنّا مُبْرِمُونَ} أي بل دبّر مشركو مكة بإحكام كيدا للنبي صلّى الله عليه وسلّم في دار الندوة بمكة ليقتلوه أو يحبسوه أو يطردوه، والمعنى أنهم كلما

<<  <  ج: ص:  >  >>