{فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ} أي لا أسف ولا حزن عليهم من أحد بسبب بغيهم وفسادهم، بل عوجلوا بالعقوبة لفرط كفرهم وشدة عنادهم، ولم يمهلوا لتوبة، لأنها غير منتظرة منهم.
ثم أتبع الله تعالى ما يقابل النقمة بالنعمة للعبرة، فقال:
{وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ، مِنْ فِرْعَوْنَ، إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ} أي لقد خلصنا شعب بني إسرائيل بإهلاك عدوهم مما كانوا فيه من الاستعباد وقتل الأبناء واستحياء النساء وتكليفهم بالأعمال الشاقة، من عذاب فرعون الذي كان متعاليا عنيدا، متكبرا متجبرا، ومن المسرفين في الكفر بالله، وارتكاب معاصيه، ورأس الكفر: ادعاؤه الألوهية والربوبية بقوله: أنا ربكم الأعلى.
ويلاحظ أن بيان الإحسان إلى موسى وقومه كان بعد بيان كيفية إهلاك فرعون وقومه، لأن دفع الضرر مقدم على جلب المصالح والمنافع.
ثم بيّن الله تعالى مدى تكريمه لبني إسرائيل حين ذاك قائلا:
{وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ، وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ} أي لقد اختارهم الله على عالمي زمانهم على علم منه باستحقاقهم لذلك، لكثرة الأنبياء فيهم، ولصبرهم مع موسى، وجهادهم في سبيل الله، فلما بدلوا الإيمان بالكفر، والصلاح بالفساد غضب الله عليهم ولعنهم وجعل منهم القردة والخنازير.