٤ - لا يضلّ الله قوما إلا بعد أن هداهم وبعد أن أعلمهم وعلمهم، ولا يمنع عنهم فضله ورحمته إلا بسبب جحودهم وظلمهم وكفرهم، ولا يحجب عنهم منافذ الهداية من الاستبصار بنور البصيرة والقلب، والنظر في أسباب الرشد، وسماع المواعظ ليفقه الهدى إلا بعد إعراضهم وعنادهم وغيهم.
قال المفسرون: هذه الآية رد على القدرية الذين يقولون: إن الإنسان يخلق أفعال نفسه من الاعتقاد وفعل الخير وارتكاب الشر، لأن الله تعالى صرح بمنعه إياهم عن الهدى حين أخبر أنه ختم على سمع هذا الكافر وقلبه وبصره، أي فالله هو الخالق لأفعال الإنسان، وليس العبد خالقا لها، وإنما هو كاسب وآخذ ومختار أيّ الطريقين من الخير أو الشر.
٥ - إن أسباب ضلال المضلين إما اتباع الإنسان ما تدعو إليه نفسه الأمّارة بالسوء:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} وإما تجاهل الحقائق بعد العلم بوجوه الهداية: {وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ} وإما العناد: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ} وإما إنكار البعث باعتقاد ألا حياة إلا هذه: {نَمُوتُ وَنَحْيا}[٢٤] وإنكار المبدأ قائلين: {وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ}[٢٤].
وقد أجاب الله على شبهتهم بقوله فيما يأتي من الآيات:{وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ} أي ليس لهم على ما قالوه دليل، وإنما ذكروا ذلك ظنا وتخمينا واستبعادا، فلا ينبغي لعاقل أن يلتفت إلى قولهم، لأن الحجة قامت على نقيض ذلك، وهي دليل المبدأ والمعاد المذكور مرارا، وليس قولهم:{اِئْتُوا بِآبائِنا}[٢٤] من الحجة في شيء، لأنه ليس كل ما لا يحصل في الحال، فإنه يمتنع حصوله في الاستقبال (١).