وكان العرب في الجاهلية يعتقدون أن الدهر هو الفاعل، فكانوا إذا أصابهم ضر أو ضيم أو مكروه، نسبوا ذلك إلى الدهر، فقيل لهم: لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر، أي إن الله هو الفاعل لهذه الأمور التي تنسبونها إلى الدهر، فيرجع السب إليه سبحانه.
أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يقول الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلّب الليل والنهار».
وفي رواية:
«لا تسبوا الدهر، فإن الله تعالى هو الدهر» وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: «كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، فقال الله في كتابه:{وَقالُوا: ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا.}. الآية.
وذكر محمد بن إسحاق عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«يقول الله تعالى: استقرضت عبدي، فلم يعطني، وسبني عبدي، يقول:
ووا دهراه، وأنا الدهر».
وفي الموطأ عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر».
وفسر الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الأئمة قوله صلّى الله عليه وسلّم:«لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» بقولهم: كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا: يا خيبة الدهر، فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله تعالى، فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل، لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار، لأن الله تعالى هو الدهر الذي يعنونه، ويسندون إليه تلك الأفعال (١).
ثم فنّد الله تعالى قولهم مبينا عدم اعتماده على دليل، فقال: