٢ - إن سبب وجوب الإحسان إلى الأبوين واضح وهو كونهما كانا سببا لوجود الأولاد، وتربيتهم وتنشئتهم، وعلى التخصيص الأم التي تعاني من أجل الولد معاناة شديدة ربما تضحي بحياتها له، فقد حملته بكره ومشقة، ووضعته بكره ومشقة، وسهرت على راحته الليالي الطوال، وعانت في حضانته ورضاعته عناء لا يقدر.
٣ - إن حق الأم كما تقدم بدلالة الآية أعظم من حق الأب، لأنه تعالى قال أولا:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً} فذكرهما معا، ثم خص الأم بالذّكر، فقال:{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} وذلك يدل على أن حقها أعظم، وأن تحملها المشاق بسبب الولد أكثر.
٤ - دلت الآية أيضا كما تقدم على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، لأنه لما كان مجموع مدة الحمل والرضاع ثلاثين شهرا، وكان أقصى مدة الرضاع حولين كاملين، بقي أقل مدة الحمل ستة أشهر، بعد إسقاط مدة حولي الرضاع، وهي أربع وعشرون شهرا من الثلاثين. روي عن عمر أن امرأة رفعت إليه، وكانت قد ولدت لستة أشهر، فأمر برجمها، فقال علي: لا رجم عليها، وكذلك روي عن عثمان أنه همّ بذلك، فأبان له علي أو ابن عباس ما دلت عليه الآيات كما تقدم، فرجع عثمان عن قوله ولم يحدّها.
وروي أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق، وكان حمله وفصاله في ثلاثين شهرا، حملته أمه تسعة أشهر، وأرضعته إحدى وعشرين شهرا.
٥ - ودلت الآية أيضا على أن أكثر مدة الرضاع سنتان، لأنه إذا دلت على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فإنها تدل في الباقي من الثلاثين شهرا على أن أكثر مدة الرضاع حولان كاملان، وتأيّد هذا بآية:{وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ}[البقرة ٢٣٣/ ٢].