المكذبون لرسوله صلّى الله عليه وسلّم في الأرض أرض عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ليعتبروا، فيروا كيف كان مصير الأمم السالفة، وما آل إليه أمر الكافرين من قبلهم، فإن آثار العذاب في ديارهم بسبب تكذيبهم وكفرهم باقية، لقد هدّم الله عليهم ديارهم، وأهلكهم واستأصلهم، فلم يبق من الأهل والولد والمال شيئا يذكر، ونجّى الله تعالى المؤمنين من بين أظهرهم.
ولهؤلاء الكافرين المكذبين ولجميع الأمم الكافرة أمثال عاقبة من قبلهم من الكفرة. وقد عوقب كفار قريش في الدنيا بالهزيمة المنكرة في بدر وفتح مكة، ولهم عقاب أشدّ في نار جهنم في الآخرة.
وسبب العقاب ما قال تعالى:
{ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ} أي ذلك التدمير والاستئصال للكافرين، ونجاة المؤمنين بسبب أن الله ناصر عباده الذين آمنوا بالله تعالى وأطاعوا رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأن الكافرين الجاحدين بالله تعالى والمكذبين رسوله صلّى الله عليه وسلّم لا ناصر لهم يدفع عنهم العذاب، فوقعت العقوبة بهم.
ولما بيّن الله تعالى حال المؤمنين والكافرين في الدنيا، بيّن حالهم في الآخرة، فقال:
١ - {إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} أي إن الله ينعم يوم القيامة على عباده الذين آمنوا بالله وصدقوا به وعملوا صالح الأعمال، فقاموا بالفرائض واجتنبوا المعاصي، بدخول الجنات (البساتين) التي تجري الأنهار من تحت قصورها، تكريما لهم.
٢ - {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ، وَالنّارُ مَثْوىً لَهُمْ} أي والذين جحدوا بوجود الله وتوحيده وكذبوا رسوله ينتفعون بمتاع الدنيا، ويأكلون منها كأكل الأنعام (الإبل والبقر والغنم) لا همّ لهم إلا بطونهم