قريش من مكة، ودخلها المسلمون ثلاثة أيام، معهم سلاح الراكب، السيوف في القرب.
وقد اعترض بعض كبار المسلمين مثل عمر بن الخطاب على الصلح، لعدم تكافؤ شروطه، وإجحافه بالمسلمين، ولكنه كان في الحقيقة نصرا كبيرا، لأن قريشا اعترفوا بمكانة المسلمين، وتمت الهدنة التي استراح فيها المسلمون عن الحروب والمعارك التي شغلتهم وأضعفتهم، وتمكن المسلمون من القيام بدعوة الإسلام في ظل الأمن والسلام، ودخل في الإسلام كثير من العرب.
فكان ذلك فتحا مبينا، أو تمهيدا لفتح مكة، قال الزهري:«فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه..» فقد كان عدد المسلمين وقت الصلح ألفا وخمس مائة أو أربع مائة، ثم صاروا عام فتح مكة بعد الصلح بسنتين عشرة آلاف، منهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص. وقال ابن مسعود وجابر والبراء رضي الله عنهم: إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية.
وبعد أن نحر النبي صلّى الله عليه وسلّم هديه حيث أحصر ورجع، وبعد انصرافه نزل عليه ليلا وهو في الطريق بين مكة والمدينة هذه السورة.
روى أحمد وأبو داود والنسائي وابن جرير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: لما أقبلنا من الحديبية عرّسنا (١) فنمنا، فلم نستيقظ إلا والشمس قد طلعت، فاستيقظنا، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم نائم، فقلنا: أيقظوه، فاستيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،
فقال:«افعلوا ما كنتم تفعلون، وكذلك يفعل من نام أو نسي» أي قضاء الصلاة، قال: وفقدنا ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فطلبناها، فوجدناها قد تعلق خطامها بشجرة، فأتيته بها، فركبها، فبينا نحن نسير، إذ أتاه الوحي، قال: وكان إذا أتاه الوحي اشتد عليه، فلما سرّي عنه أخبرنا أنه أنزل عليه:
{إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً}.
(١) التعريس: نزول القوم من آخر الليل للنوم والاستراحة ثم الارتحال.