للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة، أقام بها ذا الحجة والمحرم، وخرج في صفر إلى خيبر، ففتحها الله عليه بعضها عنوة، وبعضها صلحا.

فلما كان في ذي القعدة من سنة سبع خرج صلّى الله عليه وسلّم معتمرا هو وأهل الحديبية، فأحرم من ذي الحليفة، وساق معه الهدي، قيل: كان ستين بدنة، فلبّى، وسار أصحابه يلبّون. ثم دخل مكة بالسيوف مغمدة في قربها، كما شارط‍ أهل مكة في صلح الحديبية.

ثم رتب الله تعالى على التصديق وسوء ظن القوم قوله: {فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا} (١) من الحكمة والمصلحة في تأخير الفتح إلى العام القابل، فجعل من دون ذلك الفتح فتحا آخر قريب الحصول، وهو فتح خيبر.

وقوله: {إِنْ شاءَ اللهُ} لتعليم العباد وإرشادهم إلى تعليق كل أمر بمشيئة الله.

ثم أكّد تعالى صدق الرؤيا بتصديق الرسول صلّى الله عليه وسلّم في كل شيء بقوله:

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً} أي إن الله عز وجل هو الذي أرسل رسوله محمدا بالعلم النافع والعمل الصالح، وبما يرشد إلى طريق الهداية الصحيح، ودين الإسلام، ليعليه على كل الأديان، بنسخ سائر الديانات السابقة، وإظهار فساد العقائد الزائفة، وكفى بالله شهيدا على هذا الوعد من إظهار دينه على جميع الأديان، وعلى أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسوله، وهو ناصره. وفي هذا رد على سهيل بن عمرو الذي أبي أن يكتب في مقدمة صلح الحديبية: «محمد رسول الله» وتسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم،


(١) الفاء لعطف فَعَلِمَ على صَدَقَ وبما أن العلم متقدم على الرؤيا، فإن المراد بالتعقيب والترتيب علم الوقوع والشهادة لا علم الغيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>