وهذا أول السقوط والضعف في حجة النمروذ، لأن المراد في قول إبراهيم:
إنشاء الحياة وتكوينها بعد العدم، وإزالة الحياة القائمة لجميع الكائنات الحية من نبات وحيوان وغيرهما، لا مجرد التسبب في بقاء الحياة، وإعدامها لفئة من الناس حكم عليهم بالإعدام، فجواب النمروذ بمعنى أنه يكون سببا في الإحياء والإماتة.
ولما رأى إبراهيم مغالطة الطاغية وتجاهله المقصود من معنى الإحياء والإماتة، انتقل إلى حجة أخرى لا مجال فيها للمكابرة أو المغالطة، فقال: إن ربي الذي يمنح الحياة ويسلبها بقدرته وإرادته المطلقة هو الذي يطلع الشمس من المشرق، فإن كنت تدعي الربوبية، فغيّر نظام طلوع الشمس وغروبها، وائت بها من جهة المغرب.
فلم يجد من تولى كبره جوابا، ودهش وتحير، وأعجزته الحجة، وأفحمه إبراهيم، وغلبه وأسكته، وقطع حجته، ولم يمكنه، أن يقول: آنا الآتي بها من المشرق، لأن الواقع يكذبه.
والله لا يهدي الظالمين أنفسهم المعرضين عن قبول هداية الله إلى طريق الخير والفلاح أبدا، بل يطمس الله على قلوبهم وبصائرهم، ويفضح شأنهم في أحلك أوقات الشدة والأزمة أمام الملأ من الناس. وهذا يدل على أن عدم الهداية ليس للطائعين، وإنما للظالمين، والمراد: هداية خاصة، أو ظالمون مخصوصون (١).
وقد ذكر السّدّي أن هذه المناظرة كانت بين إبراهيم ونمرود بعد خروج إبراهيم من النار، ولم يكن اجتمع بالملك، إلا في ذلك اليوم، فجرت بينهما هذه المناظرة، وكان ذلك نصرا لخليل الله إبراهيم بعد نصر، وهكذا تتوالى الانتصارات لأولياء الله وأصفيائه، وتتعاقب الهزائم لأعداء الله، وتبدو مواقف الخذلان لهم