قولهم: صل وادخل الجنة، أي صل في الدنيا، وادخل الجنة في العقبى. ويحتمل أن يقال: بأنّ {اِسْتَمِعْ} بمعنى انتظر.
قال الرازي: وقوله تعالى: {مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ} إشارة إلى أن الصوت لا يخفى على أحد، بل يستوي في استماعه كل أحد، وعلى هذا فلا يبعد حمل المنادي على الله تعالى؛ إذ ليس المراد من المكان القريب المكان نفسه، بل ظهور النداء، وهو من الله تعالى أقرب (١).
{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ، ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} يعني أن صيحة البعث كائنة حقا، وهي يوم سماع النفخة الثانية في الصور التي تنذر بالبعث والحشر والجزاء على الأعمال، وذلك اليوم يوم الخروج من القبور.
{إِنّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ، وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} أي إننا نحن نحيي في الدنيا والآخرة، ونميت في الدنيا حين انقضاء الآجال، لا يشاركنا في ذلك مشارك، وإلينا المرجع في الآخرة للحساب والجزاء، فنجازي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وهذا تقرير القدرة الإلهية على الإحياء ابتداء وإعادة، وعلى الإماتة، وإجراء الحساب، وأكد ذلك بقوله:
{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً، ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ} أي وإلينا المصير وقت أن تتصدع الأرض عنهم، فيخرجون من القبور، ويساقون إلى المحشّر، مسرعين إلى المنادي الذي ناداهم، ذلك بعث وجمع هيّن لدينا وعلينا، لا مشقة فيه ولا عسر، كما قال تعالى:{وَما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}[القمر ٥٠/ ٥٤] وقال سبحانه: {ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ، إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[لقمان ٢٨/ ٣١].