وفي الأنفس البشرية آيات أيضا للمتأملين المؤمنين الموقنين، من تركيب الجسم العجيب، وتلازم الروح والجسد، والعقل والفؤاد، والقوى والإرادات، لذا عقبه تعالى بقوله:{أَفَلا تُبْصِرُونَ} يعني بصر القلب ليعرفوا كمال قدرة الله تعالى. وهذا إشارة إلى دليل الأنفس، وهو كقوله تعالى:{سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ}[فصلت ٥٣/ ٤١].
وفي السماء أسباب الرزق من مطر وثلج ينبت به الزرع، ويحيا به الخلق، وفيها تقدير ما يوعد به البشر من خير وشر، وجنة ونار، وثواب وعقاب. وفي الآيات الثلاث ترتيب حسن، فذكر الأرض وهي المكان، ثم عمرها وآنسها بالإنسان، ثم ذكر ما به بقاؤه وهو الرزق.
٤ - أكد رب العزة ما أخبر به من البعث، وما خلق في السماء من الرزق، وما قدّر من أقوات الحيوانات والنفوس البشرية، فأقسم عليه بأنه لحق، ثم أكده بقوله:{مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} أي مثل نطقكم، أي إن ذلك ثابت حسّا، كما يدرك الإنسان يسر نطقه وكلامه. وخص النطق من بين سائر الحواس: لأن ما سواه من الحواس يحدث فيه اللبس والتشبيه.
وهذا قسم ثالث: فبعد أن أقسم تعالى بالأمور الأرضية وهي الرياح، ثم أقسم بالسماء في قوله:{وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ} أقسم هنا بالذات العلية، وهذا ترتيب منطقي سليم، يقسم المتكلم أولا بالأدنى، فإن لم يصدق به، يرتقي إلى الأعلى.