وهذا دليل على أن اتخاذ الأسباب لتحقيق النتائج أمر ضروري، وهو أيضا محتاج إلى رعاية الله وعنايته وحفظه.
ثم ذكر الله تعالى أنه أبقى السفينة عبرة لمن بعدهم، فقال:
{وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي لقد أبقينا السفينة عبرة للمعتبرين، أو لقد تركنا هذه الفعلة التي فعلناها بهم عبرة وعظة، فهل من متعظ ومعتبر، يتعظ بهذه الآية ويعتبر بها.
قال قتادة: أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أول هذه الأمة، وعقب عليه الحافظ ابن كثير قائلا: والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفينة، كقوله تعالى:{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ}[يس ٤١/ ٣٦ - ٤٢]، وقال تعالى:{إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ، لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ}[الحاقة ١١/ ٦٩ - ١٢](١) ولهذا قال ها هنا:
{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي هل من متعظ ومعتبر يتعظ بهذه الآية ويعتبر بها؟! {فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ} أي فانظر أيها السامع كيف كان عذابي لمن كفر بي، وكذّب رسلي، ولم يتعظ بما جاءت به نذري المرسلون، وكيف انتصرت لهم، وأخذت لهم بالثأر، أو كيف كانت إنذاراتي؟ والاستفهام للتوبيخ والتخويف، وإنما أفرد العذاب فلم يقل: أنواع عذابي، وجمع النذر، إشارة إلى غلبة الرحمة الغضب، لأن الإنذار إشفاق ورحمة.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟} أي لقد سهلناه