٢ - وصفوه بأنه مجنون إشارة إلى أنه أتى بالآيات الدالة على صدقه، حيث رأوا ما عجزوا عنه. وأخبر تعالى عنه:{وَازْدُجِرَ} دليل على الحجر عليه ومنعه من تبليغ دعوته بالسبّ والوعيد بالقتل. ويصح أن يكون ذلك حكاية قولهم، وتقديره: قالوا: مجنون مزدجر، ومعناه ازدجره الجن، قال الرازي:
والأول أصح.
٣ - لما زجروه وانزجر عن دعوتهم دعا ربّه:{أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} أي غلبوني بتمردهم فانتصر لي.
٤ - أجاب الله دعاءه، وأمره باتخاذ السفينة، ثم أغرقهم بالطوفان بماء كثير منصب متدفق من السحب، وماء نابع من الأرض فالتقى الماءان: ماء السماء وماء الأرض على حال قدرها الله وقضى بها من الأزل، لعلمه بتكذيبهم.
٥ - ونجى الله نوحا عليه السلام ومن آمن معه بحملهم على سفينة ذات ألواح شدت بمسامير، وفي حفظ الله ورعايته وكلاءته، وقد جعل الله ذلك ثوابا وجزاء لنوح على صبره على أذى قومه الذين جحدوا برسالته، وعقابا للكافرين على كفرهم بالله تعالى.
٦ - لقد ترك الله هذه الغفلة أو السفينة عبرة، فهل من متعظ خائف؟! قال قتادة: أبقاها-أي السفينة-الله بباقردى من أرض الجزيرة عبرة وآية، حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة، وكم من سفينة كانت بعدها، فصارت رمادا.
٧ - عقب الله تعالى على القصة بأمرين: أولهما-فكيف كان العذاب والإنذار؟ تنبيها عاما للخلق. وثانيهما-لقد سهل الله القرآن الكريم للاتعاظ والادّكار، أو للحفظ وأعان عليه من أراد حفظه. قال سعيد بن جبير: ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن.